روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | المزالق الخفية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > المزالق الخفية


  المزالق الخفية
     عدد مرات المشاهدة: 2147        عدد مرات الإرسال: 0

على قارعة الطريق تظهر بعض العراقيل والمعوِّقات وتبدو للعارفين فلا يتعدوها بإغماض أو تجاهل حتى يبينوا للناس ما يتقون حيالها، بيد أن هناك من الأمور والأجندة ما يندثر في لُحُف الفطرة وأُطُر الطبيعة الإنسانية تعدُّ بمثابة الأدواء التي تهدّد حياة القلوب لتُزيغَها عن المنهج وتنأى بها عن الرشد.

أسميتها بالمزالق الخفية.. لا يأبه بها الكثير من الناس كونها تتزيّى بزي الأمور العارضة أو الخطرات التي لا مناص منها وفي حقيقتها أنها أمراض تعلق بالقلب فيعز زوالها:

أولاً: الرؤية السوداء في بواعث الأخطاء المتحققة عند الآخرين وتغييب المحامل الحسنة في ذلك، فبمجرد أن يخطئ الواحد سواء أكان ذلك في التعبير أو في السلوك فهناك من يأتي ويفضي بتوقعه الباطل في صيغة الجزم ويحلل ويؤوّل كما يريد وربما يتلقى منه الآخرون على سبيل التصديق.

وفي هذا سبيل لإعوجاج النظرة لديه بشكل عام في كل أقوال الآخرين وأفعالهم ما صح منها وما بطل، فيكون بهذا الظن السيئ قد أورد نفسه وتبّاعه المهالك، قال عليه الصلاة والسلام «إياكم والظنّ فإن الظن أكذب الحديث» متفق عليه.

ثانياً: تغيّر القلب وتمعّر الوجه لدى أحدهم في حال أن يتميز عليه غيره في إحدى المشارب أو يتفوق عليه، ويبدو عليه خنوعا واضحا يطغى على حالته المزاجية، وليس ينقم منه شيء سوى أن آتاه الله من فضله!! ثم يطفِق بعد ذلك بالعمل على تشويه هذا التميز ويخلق عليه من التأويلات والتبريرات ما يلفت عنه النظر.

ولا يألوه الجهد شيئا مقابل أن يُنقص من قدر أخيه ليحجب ضوءه! والحقيقة أنه يحجب حسناته هو عن نفسه جرّاء ما يقوم به من الحسد، قال تعالى {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} [النساء:54].

ثالثاً: تزكية النفس على حساب الآخرين وذلك بغمط محاسنهم، فهناك من يجعل من ذاته إنسانا مقارعا لكل من يُشار إليهم بالبنان حتى وإن كانوا أعلاما في الفضل والعلم.

وحين يُذكر إنجازٍ ما يرى بأنه مجرد أمر قد واتاه من قبل ولكن الصوارف -حسب زعمه- منعته من تتمته وتحقيقه، فهو بالتالي لا يرى فضلا لأحد، وكثيرا ما يحاول صرف النظر عن كونه مسبوقا في أي إنجاز أو تقدّم.

قال عليه الصلاة والسلام «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.. الكبر بطر الحق وغمط الناس».

رابعاً: هناك من يعلوه البِشْرُ بسَقَطات إخوانه ويفضحه الفرح في ذلك، فعلى الرغم من تصنعه في إظهار العبوس والبسور حال إخفاق أحدهم إلا أن خافيه المشوب يكون أقوى في ترجمة الحقيقة وفرض السرور على محيّاه وجوارحه حتى وإن ظهر شيء من التجاعيد الموهومة.

ومن باب التصبيغ والتحلية تراه يتقولب في شكل من يدّعي رفع المعنويات وتسوية الأمور، وحينما يخلو بنفسه فسرعان ما تنكدر أشرعة التزييف ويبقى جذِلا طوال يومه.

قال صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» متفق عليه.

خامساً: حب المدح كما هو معلومٌ جِبِلّةٌ شريطةَ أن يَهُبّ من غير إستدعاء له.. فهناك من يسلك الطرق الملتوية التي يضمن فيها ملاقاة السيل من المديح والثناء فيذم نفسه تارة ليأتي من يعذله عن هذا الذم بكل براءة ويثني عليه مادحا بقوله: على العكس أنت كذا وكذا، وتارة يتظاهر بالتعب والسهر كما لو كان يقوم من الليل أو يطلب العلم، وتارة يتظاهر بكثرة المشاغل والإرتباطات كما لو أنه أفنى ذاته في سبيل الدعوة، وتارة يذكر معرفته بالمشايخ وأهل الفضل كي يُجمِلَه الآخرين في عدادهم.. إلى غير ذلك.

قال تعالى: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون} [هود:15].

سادساً: إنتظار الشكر الخاص من المسؤولين ونحوهم إزاء القيام بجُهدٍ أو بعملٍ من الأعمال.. فتستشرف نفس أحدهم لدرع يقدّم بإسمه مثلا أو شهادة تخصه ونحو ذلك.. وفي حال عدم حصول التقدير أو الشكر الذي يريده سينقلب رأساً على عقِب وسيبدي تذمّره، ويشرع بعد ذلك في تعداد محاسنه ومآثره في هيئة المنّ والعلو، ويُبدي إستياءه من أن يُعامَل كما هو الحال مع غيره، وأنّى لجهوده أن تهمّش فلا يُشكر شكرا يليق بمكانته وحجمه..

وبطبيعة الحال فليس لمثل هذا في الآخرة من نصيب أو شكر، إذ لو كان يرجو ما عند الله والدار الآخرة لإكتفى بالقليل من إرادة الدنيا وإغتنى باليسير من شكر الناس، إذ الأصل في المسلم أن يبتغي بعمله ما عند الله عز وجل ويرجو به الأجر والمثوبة من الله وحده سيما إن كان هذا العمل منوطٌ بمتعلقات الدار الآخرة، قال تعالى {إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا} [الإنسان:9].

سابعاً: نقد أخطاء الآخرين بغرض لفت الأنظار والبروز.. كأن يخطئ أحد أو يتصرف خلاف الأولى فيأتي من ينتقده في قالب الحرص ويقول على سبيل المثال: كيف له أن يفعل هذا ولو كنت مكانه لما حصل كذا وكذا ويردف: الإستعجال لا يثمر أبدا ولا بد من الإتزان وتحكيم العقل.. ثم يسرد بعضا من مجرياته وتجاربه وكيف أنه وُفِّق في التعامل مع الأحداث بالصورة التي يريد هو أن يقرّرها لدى الآخرين لتتم تزكيته ولفت الأنظار إليه، وقد قال الله {ولا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} [النجم:32].

وختاماً فإن جملة هذه الأمور لا تخرج عن كونها بعضاً من أمراض القلوب وجزءا منها في هيئة صور تمثلها، قد لا تكون نسبتها إليها بشكلٍ ظاهر ولكنها مجرد إشارة ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق..

وكانت هنا على التوالي: سوء الظن بالناس، الحسد، الكبر، كره الآخرين، طلب المدح، إنتظار الشكر، لفت الأنظار والتزكية.. وقد يصب بعضها في بعض رغم تباينها ولكن العلة واحدة.. وخير العلاج لشفاء القلوب -أيّا كانت الأسقام وأيّا كان تمكنها- هو تدبر كلام الله تعالى وتكرار النظر إليه.. {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين • قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} [يونس:57-58].

 

الكاتب: عمر عبد الرحمن السعدان.

المصدر: موقع ياله من دين.